في وقت تتسارع فيه التغيرات التكنولوجية والاجتماعية لم يعد من المقبول أن يبقى التعليم محصورًا في الطرق التقليدية التي تعتمد على التلقين والحفظ، اليوم تظهر مفاهيم تعليمية حديثة تنادي بإحداث تحول جذري في دور كل من المعلم والطالب، ويأتي في مقدمتها مفهوم التعلم النشط، الذي يُعدّ أحد أبرز الاتجاهات المعاصرة في تطوير العملية التعليمية.
التعلم النشط هو نمط تعليمي يجعل المتعلم محورًا أساسيًا في الموقف التعليمي، حيث لا يقتصر دوره على الاستماع وتلقي المعلومات، بل يتعداه إلى المشاركة الفعالة في الدرس من خلال الحوار والنقاش وحل المشكلات وتنفيذ الأنشطة، في هذا النوع من التعلم، يصبح الفصل الدراسي ساحة للتفاعل والتجربة والتفكير، ويتحول المعلم من ناقل للمعلومة إلى موجه ومرشد ويطرح الأسئلة، يحفّز العقول ويفتح أمام الطلاب آفاقًا جديدة للتعلم والاكتشاف.
تتميز بيئة التعلم النشط بأنها ديناميكية وتُحفّز المتعلمين على الاستكشاف والتعاون، يشعر الطالب فيها بأن صوته مسموع وأن أفكاره محل اهتمام مما يزيد من دافعيته ويُقوي ثقته بنفسه، وتُظهر التجارب التربوية أن هذا الأسلوب يسهم في تعزيز فهم أعمق للمفاهيم الدراسية ويرتقي بمهارات التفكير العليا مثل: التحليل، والنقد، والاستنتاج، ويُكسب الطالب مهارات حياتية مهمة، مثل: التواصل، والعمل الجماعي، واتخاذ القرار.
ورغم الفوائد العديدة التي يتيحها التعلم النشط، إلا أن هناك تحديات تواجه تطبيقه، أبرزها صعوبة تغيير الثقافة التعليمية السائدة، وحاجة المعلمين إلى تدريب متخصص، فضلًا عن وجود بعض العقبات الإدارية مثل كثافة الفصول وضيق الوقت، إلا أن هذه التحديات لا تلغي أهمية السعي إلى تعزيز هذا النهج، خاصة في ظل التغيرات العالمية التي تفرض أن يكون التعليم أكثر مرونة وشمولية وواقعية.
إن التعلم النشط هو استثمار حقيقي في عقل المتعلم وشخصيته، وهو ركيزة أساسية لبناء جيل قادر على الفهم والإبداع وحل المشكلات، فليس المهم أن يحفظ الطالب المعلومة، بل أن يعرف كيف يستخدمها ويفكر بها ويطورها، ومن هنا فإن تعزيز التعلم النشط في مدارسنا وجامعاتنا هو ضرورة وليس مجرد خيار.