في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم في مختلف المجالات، بات من الضروري أن تواكب المؤسسات التعليمية هذه التحولات من خلال تطوير أساليب التعليم وتحديث طرائق التدريس، ومن بين الأساليب التي أثبتت فاعليتها في تعزيز التفاعل والمشاركة داخل الصف، يبرز التعلم التعاوني كأحد أبرز الاتجاهات الحديثة التي تُعزز من جودة العملية التعليمية وتُسهم في بناء مهارات القرن الحادي والعشرين لدى الطلبة.
التعلم التعاوني هو أسلوب تعليمي يقوم على فكرة العمل الجماعي داخل الصف، حيث يُقسّم الطلاب إلى مجموعات صغيرة متجانسة أو متباينة، يتعاون أفرادها لتحقيق هدف تعليمي مشترك، ويتم تقويمهم بناءً على الجهد الجماعي والفردي على حد سواء و يختلف هذا النمط من التعلم عن مجرد العمل الجماعي التقليدي، حيث يُبنى على أسس تربوية واضحة تشمل التفاعل الإيجابي والمساءلة الفردية والاعتماد المتبادل بين الأعضاء، ما يجعل كل طالب مسؤولًا عن تعلمه وتعلم زملائه أيضًا.
أثبتت العديد من الدراسات التربوية أن التعلم التعاوني يُسهم في رفع مستوى التحصيل الدراسي، ويُعزز من مهارات التفكير الناقد والإبداعي، كما يُساعد في تنمية مهارات التواصل وحل المشكلات، ويُرسخ قيم العمل الجماعي واحترام الرأي الآخر، وهي جميعًا من المهارات الضرورية في الحياة المهنية والاجتماعية.
كما أن هذا النوع من التعلم يتيح بيئة تعليمية نشطة، يتحول فيها الطالب من متلقٍ سلبي إلى مشارك فاعل في بناء المعرفة، ويُكسر فيه الجمود التقليدي داخل الصف.
المعلم في هذا النوع من التعلم لا يكون محور العملية التعليمية، بل يتحول إلى موجّه وميسر، يُراقب سير العمل داخل المجموعات، ويتدخل عند الحاجة لتصحيح المسار أو تحفيز الطلبة أو توجيه النقاش، وهو بذلك يُمكّن الطلاب من الاعتماد على أنفسهم في البحث والتفكير واتخاذ القرار، ما يعزز لديهم الثقة بالنفس وروح المبادرة.
أما دور الطالب، فيكون أكثر فاعلية من خلال تقديم الأفكار والمشاركة في النقاشات وتقديم الدعم لزملائه، وهو ما يُسهم في كسر الحواجز النفسية والاجتماعية بين الطلاب داخل الصف الواحد.