في زخم الحياة الحديثة وسرعة التحوّل الرقمي تتلاشى تدريجيًا العديد من التفاصيل التي كانت يومًا جزءًا أصيلًا من يومياتنا العربية، كانت الطقوس والعادات المرتبطة بالهوية تضفي على الحياة لمسة من الجمال والسكينة، وتمنح الإنسان وعيًا أعمق باللحظة. لم تكن مجرد ممارسات عابرة، بل كانت انعكاسًا لقيمنا، وطريقة فريدة لفهم الحياة والتواصل مع الآخرين.
من بين هذه الطقوس تلك التي كانت تحيط بيوم الجمعة، كان تحضير القهوة العربية يتم بحضور جماعي وسط أجواء تعكس روح الألفة والتواصل، وكان ارتداء الثياب البيضاء النظيفة تقليدًا لا يرتبط فقط بالمظهر؛ بل باستحضار الطهارة الجسدية والنفسية، إذ تجتمع الأسر حول مائدة بسيطة ثم تبدأ جلسات "الونس"، تُروى الحكايات ويتبادل الأهل والأصدقاء الشعر الشعبي والأهازيج، بعيدًا عن ضجيج الشاشات وانشغال التكنولوجيا
في المناسبات، كان للحنّاء حضور خاص، كانت هناك سيدة تُعرف بـ"الحنّاية" تُدعى خصيصًا لرسم الحنّاء للنساء قبل الأعراس أو الأعياد وسط طقوس مليئة بالفرح والضحك والزغاريد لم تكن الحناء مجرد زينة بل كانت رمزًا للبهجة والتجدد والانتماء إلى الجماعة.
حتى في تفاصيل الحياة اليومية، كانت هناك طقوس اندثرت بهدوء مثل: تعطير الملابس بالفحم والعنبر قبل ارتدائها، أو قراءة "المقام" في المساء بصوت رخيم في المجالس التقليدية يمتزج الشعر بالحكمة وتصير الكلمة نافذة على المعاني العميقة يُصغى إليها وكأنها نبع للحياة.
اليوم، في ظل الإيقاع السريع والهيمنة الرقمية تراجع الكثير من هذه الطقوس، لكن الأمر لا يتعلق بمجرد الحنين إلى الماضي؛ بل هو دعوة صادقة لإعادة وصل ما انقطع، فهذه العادات لم تكن طقوسًا عابرة؛ بل كانت تفاصيل صغيرة تعيد إلينا الشعور بالهوية وتضفي على الحياة نكهة مميزة وتذكرنا بأن في البطء جمالًا وفي الجماعة دفئًا وفي التفاصيل معنى.
استعادة هذه الطقوس لا تعني العودة إلى الوراء؛ بل هي محاولة لحمل ما هو جميل من الماضي إلى الحاضر لنعيش بتوازن أكثر، وإنسانية أعمق.